01 يناير . 3 دقائق قراءة . 876
ميخائيل نعيمه، متصوِّف الأدب اللّبناني.
علاقةُ خجلٍ تربطني بناسكِ الشّخروب. الخجل من النّظرِ مباشرةً في عينيه. عيناه اللّتانِ تخترقانِ الرُّوح وتَعلَمانِ ما في غيبِها. درستُ هذا الخجل طويلًا وتوصّلتُ إلى سببه: لا يمكن النَّظر في عينِ صوفِيٍّ. وميخائيل أرقى المتصوّفين سموًّا. قد يُمكنني النّظر إلى ظلِّه على الحائط أو تأمُّل خطواته على الثّلج أو ربّما لمحَ هالته النورانيّة لكنّني أبدًا لا أستطيع أن أقف أمامه وجهًا لوجه. لا يمكنني أن أقف في وجه الحقيقة. ونعيمة الحقيقةُ كلّها.
ولكن، ما الَّذِي وثّق علاقتي به رغم هذا الحياء؟ إنّها السّكينة. إحساسٌ بالإطمئنان يُربِّتُ على كتفي كلّما التقت روحي به. سكينةُ المُشكِّكِ أمام الثّوابت وهدوء المُتسائل الَّذِي ضَجَّ رأسه بفوضى الأسئلة أمام الإجابات. أتلمّسه في نفنفاتِ ثلجٍ قُطنيّة أو نَعَسٍ لذيذٍ يتسلّلُ إلى الأبدانِ عند الدِّفْء. كلّ ما في الطّبيعةِ يسألني عنه. كلُّ ما يتدلّى في الطّبيعة ويسترسل. لا يرمز إلى التّدفُّق بقدرِ ما يرمز إلى الرقرقة. ولا يحفر في الصَّخْر بل يدع البئر تنضح بما فيها. إنّها المعرفة الوثيقة بحقيقة الأشياء والإيمان الرّاسخ بأنّ هذه الحقيقة ستتعرّى أمامه.
صوفيّة نعيمة لم تكن في مرداده بل في الموسيقى الّتي تتوالد في النُّفُوس وهي أشبه شَيْءٍ بقيثارةٍ سماويّةٍ سقطت سهوًا من ملاكٍ شريدٍ. ولَم تكن في بيادره بل في تواتر فصول الدّهشة في الذّات الإنسانيّة كطفلٍ لا ينفكّ أن يولدَ مرارًا وتكرارًا. مُتصوّفنا اكتشف تلك الكوّة الصغيرة البرزخيّة الّتي تصل الرّوح الأرضيّة بالسّماء. وقد أشار إلى ذلك بأن أوصى بتركِ باب قبره مفتوحًا.
تأمَّلتُ يديهِ طويلًا وهذا ما سمح لي ذاك الخجل أن أفعله. كَفّانِ مُتواضِعانِ، لا يزال سلامُ جبران عالقًا بين الأصابع وما ينفكُّ الرّيحاني ينام في إحدى الرّاحتين. تسعةٌ وتسعون عامًا حُمِلَت على هذينِ اليدينِ. آلاف الأقلام قد بَرَتها هذه الأصابع حتّى لكأنّها أصبحت أقلامًا من لحمٍ ودم. فصولٌ وفصولٌ مرَّت عليهما، صلابةُ السّبعين، رجفة الثّمانين وانهيار التّسعين. السيجارةُ كانت صديقتهما الوفيّة والشّاهدة على لحظة الانتقال إلى الحضنِ الأبديّ.
"طفلُكَ أنا، يا ربّي وهذه الأرض البديعة، الكريمة، الحنون الّتي وضعتني في حضنها ليست سوى المهد أُدْرَجُ منه إليك. "
#ميخائيل_نعيمة #تصوف #مرداد #أدب #روح
16 يناير . 2 دقيقة قراءة
21 فبراير . 8 دقائق قراءة